فصولٌ من ذاكرة طفلة

السبت، 19 أبريل 2008

بسم الله الرحمن الرحيم

هي أقرب إلى القصص من كونها خواطر


ذكريات أتأملها تُداعب خيال طفلةٍ هناك على سفح الوادي



تُخبّئ في صدرها حنين اللقاء وشوقاً نكّس علم ابتسامتها وأعطى الدموع مفاتيح السور


على لسانها :





:: 1 ::


كان يوم إجازة

نهضت من فراشي متأخرة لا كعادتي

أحسست بضيق ونقص

نظرت إلى سرير شقيقتي فإذا بها أيضاً نائمة !

راودني ذات الشعور وأنا أزيح الستار الخمري عن نافذتي

بيان ... بياااان

أجابني صوتها الناعس وهي - كما أحسست - لا تعي ما تقول : ماذا ؟؟!

الساعة الثامنة !

رفعت شقيقتي رأسها فجأة وبلهجة استنكار : تمزحين !

أشرت بهدوء وقلقٍ إلى ساعة الجدار

رفعتْ حينها الغطاء بحركة عنيفة وصاحت : أين بابا حمزة ؟

لم أجب على سؤالها فقد كان على شفتي ألف سؤال يشاكسه .

فتحت النافذة وأسرعت إلى باب غرفتك البنيّ .

الباب كعادته مغلق .....

طق طق طق طق

بابا حمزة !

لم يجبني أحدٌ حينها يا أخي

مرة أخرى وثالثة وعاشرة ......

جاءت بيان وهي تميل رأسها شمالاً بتعجبٍ وخوف واستنكار وقلق

نعم .....

كل تلك المشاعر كانت كلماتٍ على صفحة وجوهنا يا أخي

مرة أخرى بصوتٍ واحد :

بابااا حمزة

كذلك ... لا جواب ولا مجيب !

أمسكت بيان قبضة الباب بقوة ودخلتْ .....

الغرفة فارغة !

ربما خرج باكراً ....

احت بيان بصوت تخنقه الدموع : لاااااااا !

دون أن يقبلني قبلة الصباح ؟!

بل قبلنا .. ربما لم نشعر بها اليوم

حينها ارتفع صوت بكاء وراءنا

يا الله !!

أمي !!!

أسرعنا نحوها كالمجانين

ماما .... ما الأمر ؟

وكعادتها أسرعت تحضننا تحت إبطيها بحنان الحمام .

لا شيء .... لاا شيء

وكما عرفتنا يا أخي - بلا وعي - واست دموعنا دموع أمي .

أكثر من ساعة يا أخي ونحن في حضنها تبكي وتُبكينا ولا أنت تمسح دموعنا كما عوّدتنا !

فجأة شعرنا بحركة عند باب غرفتك

كان جعفر الكبير !

صامتٌ , وفي أحداقه المحمّرة ألف ألف كلمة تُخبر بالكثير !

مسح شعر أمي وقبّل رأسها الذابل .

رحل ؟؟

أطبق جعفر جفنيه ليواري دموعاً رأينا منها الكثير وغاب أكثر .

مشى بعدها في أنحاء غرفتك السماوية .

أزاح الستار الأزرق وفتح النوافذ

أخرج من خزانتك عطرك الأزرق الثمين وراح - كما كنتَ - يرش منه بعناية في أرجاء الغرفة العطرة .

كانت صدمة حرمتنا حتى فهم ما يجري !

أمي .... من رحل ؟؟ .... أين أخي ؟؟

صرخت بيان وصرخت معها الدموع

جعفر أرجوك

من رحل ؟؟

هنا سمعنا صوتاً هادئاً على باب الغرفة

أمي .... أين حمزة ؟؟

كانت آلاء يا أخي

توأم حياتك وأنس أيامك .

أتذكرها ؟؟

تلك التي منذ الطفولة لا تفترقان إلا على ألف اتصال .

أذكر حين كنت تهاتفنا في أسفارك وتنال منها أغلب الوقت حديثاً وضحكاً .

كنت تحدثها حين تحدثها وأنت على الشرفة تنظر إلى القمر وتقول :

الآن أراك وأسمع صوتك !

نظرت إليها أمي وكلّ وجوم الدنيا تربّع في وجهها المشدوه !

لم تكن إلا بضع ثوان حتى انهارت توأمك وعلا نحيبها ....

أسرع جعفر يمسكها من كتفيها ويعانقها

هي بكت نعم لا عجب ..

أما جعفر !!

بكى كطفل رضيع وقد كنت أرى المستحيل يتجسد في بكائه يوماً !

حينها فقط يا أخي

حينها فقط فهمت الكثير ...

فهمت أن حضنك الدافئ رحل .

أن قبلة الصباح التي لم أحرم منها أربع عشرة سنة لن يهنأ بها خدي بعد اليوم ...

أن حكايات المساء ستغيب .

أن الدموع ستطمئن اليوم فلا حمزة يمسحها

أنك رحلت !

2 التعليقات:

غير معرف يقول...

جميل ما حوتهُ هذه التدوينة ..


مؤثرة بالفعل ..

بوركتْ

butterfly ebtehal يقول...

اخي الميداني


مع كل كلمة كنت تطتبها كنت اتخيل الموقف والاشخاص


وكأنك تكتب من ذاكرتي ولست اتخيل


كتاباتك جميلة ومؤثرة


حفظك الله


ابتهال تركي

 
almaidany - by Templates para novo blogger 2007